اوك يا جماعة، حكينا عالفالانتاين (عيد الحب) والغالانتاين Galentine أو عندما تحتفل البنات بين بعضهنّ بعيد الحب دون وجود رجال … برأيي صار وقت نحكي عالسينغلتاين، وبهالمناسبة خلوني خبركم أني اكتشفت أن هناك ثلاثة أنواع من السناغل او العزابية:
* النوع الأول: وهو السينغل الباحث/ة عن الارتباط، إمّا فعلياً بالسعي لإيجاد شريك/ة، سواءً عن طريق التعارف أو الخطبة التقليدية أو أية طريقة أخرى، أو حتى نفسياً بالتفكير المستمر بالموضوع والانشغال به. هؤلاء حياتهم صعبةٌ جداً حيث يعيشون في حالة انتظارٍ دائمٍ مستمرٍ يستهلكهم على مرّ الثواني … والانتظار المستمر منهك جداً للجسد وللعقل وقبل كل شيء للروح. أنا شخصياً جرّبت هذه الحالة لعدة سنوات … هذا النوع من السناغل يعاني جداً من مناسبات متل عيد الحب، والأعراس، أعياد الزواج ..الخ، لأنها كلها تفتّق لهم جروحاتهم و تذكرهم بوجعهم وانتظارهم المتعب.
* النوع الثاني: هو السينغل الحاقد/ة على الارتباط، قد يكون هذا بسبب تروما/رض نفسي سابق، أو تجربة مؤلمة ما تعالجت آثارها النفسية، أو بسبب اللاتجربة وانعدامها ابتداءً، في كل هذه الحالات يتطور عند هذا النوع درجة من المقاومة تجاه فكرة الارتباط، ويصبح أي شي متعلق فيها مثار إزعاج أو عدم ارتياح أو ألم.
شخصياً لم أختبر هذه الحالة لكنّي عاصرت وعشت مع الكتيرين والكثيرات ممن يندرجون تحتها وعندي فكرة وافية كيف يحسون ويفكرون. هذا النوع كالذي قبله، تؤلمهم مناسبات متل عيد الحب والأعراس وأعياد الزواج ..الخ، تسبب لهم عدم ارتياح وتململ، وقد يصل الأمر للانزعاج الحقيقي لأنه مجدداً يذكرهم بإحباطهم وخيبة أملهم سواءً من المحيط المهووس بأمرٍ هم يرونه سخيفاً أو حتى خاطئ، أو بخيبة أملهم من أنفسهم لأنهم يحسون انهم مختلفين جداً عن المحيط بنظرتهم لأمور متل الحب والشراكة والارتباط، ولا تتوافق نظرتهم السوداء مع النظرة الوردية للملايين المحتفلين والمحتفلات بهذه المناسبات.
* النوع الثالث: هو ما أسميه السينغل الحقيقي/ة، غير الباحث/ة عن الارتباط، وبنفس الوقت غير الحاقد/ة على مفهوم الارتباط. هي أو هو ليسوا ضد الارتباط كما قد يتخيل البعض لكنهم يستمتعون بكونهم غير مرتبطين في هذه الفترة بالذات من حياتهم. لا تزعجهم مظاهر التعبير عن الحب أو الارتباط أو مشاريع الارتباط أو الاحتفال بذكرى الارتباط بل ويستمتعون بمشاهدتها كما يستمتعون بمشاهدة أيّة ظواهر اجتماعية أخرى.
لن أصبغ الحياة بلون وردي هنا ولن أقول لكم أن السناغل الحقيقيين يحبون الجميع و أنهم سيكونون سعداء لسعادة الجميع، فبرأيي هذه المقاربة للمشاعر طفولية وغير ناضجة، نحن بشر، بالتالي لنا الحق بالامتعاض أو الانزعاج من شخصٍ ما أو ظاهرة ما لسببٍ أو لآخر وبالتالي قد يكون أحدهم يعلن عن ارتباطه/ا وقد لا يشعر السناغل الحقيقيون بأي فرح لأجله/ا، ليس لأنهم يكرهون أو يحقدون على فكرة الارتباط وليس لأنهم يتألمون من وحدتهم و يتحسرون على أنفسهم، لكن يمكن أن يكون ذلك لأي لسببٍ آخر، فمثلاً قد يكون الشخص المحتفل لا يعنيهم أو لا يتوافقون معه أو لا يحترمونه ..الخ .
السناغل الحقيقيين لديهم ببساطة هذه الفسحة من القدرة على تفصيل المشاعر. ليس لديهم مشاعر موحّدة معلّبة جاهزة لجميع الحالات، وليسوا ضد/مع جميع من يمارسون أو لا يمارسون ظاهرة ما، كالارتباط مثلاً.
هذا النوع متصالح/ة مع نفسه/ا ومع مشاعره/ا وبالتالي لا يزعجهم عيد الحب ولا الأعراس ولا غيرها من المناسبات، ولا تحرك في أنفسهم مرارة أو حسرة أو ألم أو أيّة مشاعر سلبية. هذا النوع ينظر لموضوع الارتباط على أنه قد يأتي في مرحلةٍ ما من الحياة، وقد ينتهي في أخرى، كأي حدثٍ من أحداث الحياة، سيغير من شكل الحياة بالتأكيد حين وجوده، لكنه ليس مفتاحياً لدرجة أن تتمحور الحياة حوله وترتبط فقط بوجوده من عدمه.
شخصياً انتقلت خلال الأعوام القليلة الماضية من النوع الأول إلى النوع الثالث، فمع أنني لم أكن أبحث فعلياً عن الارتباط، بمعنى أنني لم أكن أبحث بشكلٍ فاعل عن رجل، وقد مرّ فعلاً في حياتي الكثير منهم، سواءً من عرضوا بأنفسهم فكرة الارتباط، أم من كان من الممكن أن يكونوا مرشحين جيدين للارتباط، لم أفكر بالموضوع بهذا الشكل وكنت أشعر أني غير جاهزة إطلاقاً، إلا أنني كنت أشعر على الصعيد النفسي أن وجود الشريك ضروري لاستكمال الحياة، أي أنني كنت أعيش في حالة انتظار دائم على الصعيد النفسي الشعوري ليأتي ذاك اليوم الذي ستكتمل به حياتي أخيراً، وبالتالي كلّ عيد حبٍ أو كلّ مناسبة من هذا القبيل كانت تذكرني أنني مازلت أنتظر وبالتالي كانت تحرك داخلي بعضاً من مشاعر الألم التي كنت أحاول الالتفاف عليها إما بالسخرية والتنكيت أو بإجبار نفسي غصباً عني على الشعور بالفرح لأجل الآخرين الذين أنهوا انتظارهم، وفي الحالتين كان العبء النفسي كبيراً ولم تكن لا الفكاهة ولا إجبار نفسي على “الصلاح المشاعري” المبالغ فيه يأتي بأية نتيجة ايجابية قادرة على تحسين شعوري الشخصي أو مزاجي.
الانتقال إلى النوع الثالث تصاحب مع انعتاقٍ لا محدودٍ من المفهوم والفكرة وتبعاتها النفسية الشعورية، ولا أدري على وجه التحديد إن كان نضج طريقة تفكيري ونظرتي للكثير من الأمور وتوازني النفسي هو الذي قاد إلى هذا الانتقال، أم أن الانتقال هو الذي قاد إلى تلك النتائج، أم أنها حالة مزيج من الاثنين على مبدأ من أتى قبل البيضة أم الدجاجة. لكن بكل الأحوال مما لا شك به أن هذا الانتقال ترافق أخيراً باستقرارٍ مشاعريٍ حقيقيٍ وعميق، غير مفتعلٍ أو مدّعى.
تصالحت مع فكرة الارتباط ومع فكرة اللارتباط بآنٍ واحد، واستنتجت أن تصالحي مع إحداهما كان شرطاً لتصالحي مع الأخرى، ففي الأيام التي كنت لم أتصالح بها بعد مع فكرة الارتباط وكانت لديّ الكثير من التحفظات وبالتالي هربت من مجرد إمكانية حدوث ما يشابه الارتباط مرّات وكرّات، كنتُ بنفس الوقت غير متصالحةٍ تماماً مع حالة اللارتباط، كنتُ أحمّل عزوبيتي أكثر من قدرتها على الاحتمال، كتت أريدها أن تكون ملاذي وحريتي واستغنائي بنفسي عن الشريك بشكلٍ مبالغ فيه، ومع أن كلّ هذه المشاعر التي كنتُ ومازلتُ أثّمنها عالياً صحيّة وضرورية لحدوث الاكتفاء العاطفي الذاتي، إلا أنها إن لم تأتي من مكانٍ متوازنٍ في دواخلنا، فإنها لن تجلب معها أي شعورٍ بالرضا، والرضا هو ما نطمح إليه كبشرٍ في نهاية المطاف، سواءً كنا لوحدنا أم مع غيرنا، لأن الرضا هو ما يجعلنا سعداء آمنين في لحظتنا الحاضرة دون انتظار ما سيأتي بعد تلك اللحظة.
هذا التصالح المضاعف أو محاولة التوازن هذه، هي الشعرة الفاصلة حقيقةً بين التحامل على تجربة الارتباط ككل، وبين تصنّع الرضا عن تجربة الارتباط ككل.
هذه الشعرة التي أهّلتني شخصياً كي أضع الأمور في نصابها أخيراً، فمع أنني كنتُ أعلم منذ سنواتٍ طويلةٍ جداً أن لكلّ حالةٍ منهما مزاياها ومساؤوها، إلا أن الصور النمطية التي تشرّبتُها من المجتمع حولي في سوريا كانت تسكن عميقاً في داخلي، صورٌ نمطية عن ألم العزوبية وصعابها، وعن أفضليّة الارتباط وحتميته لاستقامة الحياة، وعن مؤسسة الزواج النمطي كشكلٍ وحيدٍ أوحدٍ للحياة المشتركة بين رجلٍ و امرأة، ومع ازدياد الهوّة بين المُتَصَوّر والمُعاش، زاد حنقي على الحالتين معاً، الارتباط و اللارتباط. لذلك كان التوصل لحالة الصلح انعتاقاًَ حقيقاً من عبء الصراع بين الواقع والمتوقع، بين ما نتخيله وما نعيشه.
حتى استطعت أن أتصالح مع حالتي الارتباط و اللارتباط بآنٍ معاً، كان عليّ أن أتصالح مع نفسي أولاً، كان عليّ أن أعطف عليها وأحبّها، هذا الحبّ الذي لطالما اشتاقت روحي إليه من خارجي، وأنا لا أقول أنني لا أرغب الآن بأن أحِبّ وأُحَب، لكنني أدركتُ أنني إن لم أملأ قلبي بحبّ داخلي فلن يمتلئ ولن يكون قادراً على ملء غيره مطلقاً، ففي الحب لا يمكن أن نسكب من كأسٍ فارغ. والقلوب الفارغة من حبّ نفسها لن يستطيع حبّ الدنيا أجمع أن يملأها. هذا التصالح هو ما يجعلني الآن أستمتع بلحظتي، سواءً كنتُ عازبة، أم مرتبطة، سواءً كان هناك من يشاطرني أيامي ولياليّ أم لم يكن، سواءً كنتُ بصحبة نفسي أم بصحبة أحد … قلبي عامرٌ في كلّ الحالات وماعاد يشعر بالخواء، ذاك الخواء الذي لطالما شعرتُ به حين كنتُ مرتبطةً وحين كنت عازبةً على حدّ سواء … لا خواء بعد اليوم، وحين يأتيني الحبّ الخارجي سأفرغ له حيزاً في قلبي وسيكون محاطاً بحبّ داخلي، أعمل وسأعمل دوماً على رعايته وتغذيته … الآن أقول، أهلاً بعيد الحب.