كثيراً ما نسمع مقولات مثل: “اللاجئ السوري في أوروبا مطالب بالاندماج (لازم يتغير، لازم يقبل عادات المجتمع الجديد ويتعود عليها حتى لو كانت مخالفة لكل شي تربى عليه) … ويبقى موضوع اندماج الوافدين الجدد في أي مجتمع ربما من أعقد مواضيع البحث في مجال العلوم الإنسانية وبالتأكيد فإنه ليس بسهولة صبغه بلون أحد قطبي ثنائية (أبيض/ أسود) أو (مع/ ضد). وقد طالعني منذ ثلاثة أيام خبر ذكرني بهذه الجدلية الأزلية وقررت اليوم أن أكتب عنها، فإذا كنت تؤيد هذه الجمل أعلاه بالمطلق أو إذا كنت تعارض هذه الجمل بالمطلق، فهذه القصة لك:
منذ عدة أيام صوتت غالبية ١٢٩ عضو برلماني في مجلس العموم البريطاني على مقترح لم شمل عائلات اللاجئين في بريطانيا. يعتبر هذا انتصاراً حقوقياً للناشطين الذين عملوا على الموضوع لفتراتٍ طويلة من الزمن من خلال حملات مناصرة و رفع توعية وحثّ المواطنين على مراسلة نوابهم ومطالبتهم بالتصويت لصالح القرار، وصولاً إلى استخدام الفن والإبداع لإيصال أهمية فكرة “تواجد اللاجئين مع عوائلهم” للمواطن البريطاني، حيث قامت منظمة العفو الدولية بوضع غرفة زجاجية على الضفة الجنوبية لنهر التيمز في لندن على الرصيف أمام المارة تمثل غرفة جلوس عائلية و وقاموا بدعوة عائلات مختلفة لقضاء أوقات اعتيادية داخل هذه الغرفة كما يفعلون في بيوتهم، حيث لعب البعض مع أطفالهم وشاهد البعض الأخر التلفزيون في حين قام آخرون بتناول البيتزا كما قد تفعل أي عائلة بريطانية في أمسيات عطلة نهاية الأسبوع. الهدف من هذه المحاولة هو لفت نظر المارة (المواطنين البريطانين الاعتياديين) إلى حقيقة أن سعادة الحياة العائلية تكمن في التفاصيل الحياتية اليومية الصغيرة ولا تقتصر فقط على مناسبات الأعراس وحفلات التخرج والجنازات.
ستسألونني الآن، مادخل كل هذا بموضوع الاندماج؟ وحتى أجيبكم سأروي لكم ما حصل معي شخصياً في الشهر الماضي.
أتطوع أحياناً حين يكون عندي فائضٌ من وقتٍ وطاقة مع جمعية خيرية في كامبردج تُعنى بأمور القادمين إلى بريطانيا ضمن إطار برنامج إعادة توطين اللاجئين السوريين والذي تعهدت من خلاله الحكومة باستقبال ٢٠ ألف لاجئ سوري بحلول عام ٢٠٢٠.
صادف أن تواصلت معي الجمعية الشهر الماضي حول رغبتهم بتقديم جلسات استشارية مع محامية هجرة للعائلات السورية حول موضوع لم الشمل كاستجابة منهم للطلبات المتكررة جدا في هذا السياق، وسألوني اذا كان لدي امكانية لأترجم في تلك الجلسات ووافقت.
لن أطيل في التفاصيل إلا أن الجلسات كلها كانت محبطة للجهتين، المحامية والعائلات، لأن كلاً منهما كان يشعر بخيبة الأمل حيث لم يحققوا ما كانوا يأملون من هذه الجلسات، فلا المحامية شعرت بأنها قدمت للاجئين أية معلومة مساعدة ولا اللاجئين شعروا بأن هناك أي أمل لاستجلاب أقاربهم إلى بريطانيا. والطلب الذي كان يتكرر مراراً وتكراراً من الغالبية العظمى من العائلات هو “أريد لأمي/ أبي أن يلتحقوا بي في بريطانيا، أو أريد أن أحضر أخي/ أختي إلى هنا” والجواب نفسه دوماً حتى باتت المحامية تطلب مني اعادة الكليشة ذاتها على كل عائلة في بداية كل مقابلة قبل حتى أن يبدأوا بطرح أسئلتهم:
(القانون البريطاني مختلف قليلاً في ما يعتبره “عائلة”، فالوالدين و الأبناء فوق سن الثامنة عشرة و الأخوة والأخوات لا يعتبروا عائلة مباشرة)، وكان الجميع يسأل باندهاش من هم العائلة اذا؟؟ وكانت المحامية تجيب: عائلتك المباشرة هي الزوج/ة والأولاد تحت سن الثامنة عشرة. وكانت الخيبة على الوجوه في كل مرة أكبر بكثير من أن يستطيع المراجعون إخفاءها حتى كانت المحامية تعتذر وتقول أعرف أنكم قلقون على أقاربكم وترغبون بإنقاذهم لكن الحكومة البريطانية لا تستطيع فتح باب لم الشمل إلا لأفراد العائلة المباشرة، وكان المراجعون غالباً يصمتون ويخرجون جارين أذيال الخيبة. لكن أحدهم كان مختلفاً، فبعد أن سأل مستغرباً “أمي وأخي ليسوا عائلتي المباشرة؟ .. من اذا هم عائلتي المباشرة؟” وأجابته المحامية: “زوجتك وأطفالك هم عائلتك المباشرة وهم معك هنا بأمان، أفهم بأنك تريد إنقاذ أمك وأخوك لكنهم ليسوا عائلتك بنظر القانون، وطلبت مني أن أشرح له أن هذا هو تعريف القانون البريطاني للعائلة المباشرة/ القريبة. فعلتُ كما طلبت المحامية فقال لي قولي لها اذا: “أريد أن أنقذهم نعم لكن ليس فقط هذا هو السبب، أريدهم معي هنا لأن حياتي ناقصة بدونهم، القانون البريطاني مضحك ولا يعرف ما معنى العائلة، زوجتي أعرفها منذ عدة سنوات فقط، أما أمي وأخي فأنا أعرفهم منذ أن عرفت هذه الدنيا، شاركتهم كل تفاصيل حياتي وكنا نعيش كل حياتنا في نفس البيت، من الممكن أن أختلف مع زوجتي اليوم وأطلقها غداً ولا يرى كلاً منا الآخر حتى نهاية العمر ولا تعود هي عائلتي ولا أنا عائلتها، اسأليها للمحامية هل أستطيع أن أطلق أمي أو أخي؟؟ لا أستطيع، حتى لو اختلفنا، لا يمكن للقانون أن يفسخ الرابطة العائلية بيننا كما يفسخها الطلاق مع الزوجة في حال الخلاف، أمي وأخي سيبقون عائلتي حتى آخر العمر سواء أعجبني هذا الأمر أم لم يعجبني وحياتي وحياة أولادي هنا بدونهم ناقصة”
كان رده هذا حديث الجميع بعد أن انتهت الاستشارات في ذلك اليوم، وكيف أن الاختلاف الثقافي كبير جداً بين المجتمع السوري والبريطاني حول مفهوم العائلة، وأصبح الجميع في المنظمة يردد هذه الجملة ضاحكاً
?I can’t divorce my brother or my mother, can I
هذا الشاب كان الوحيد الذي أجاب بهذه الطريقة ولم يرضخ أو يقبل بتعريف القانون البريطاني أو العرف المجتمعي البريطاني للعائلة القريبة، الآخرون خطوا أسرع منه نحو الاندماج مع أعراف المجتمع البريطاني وقبلوا حتى لو على مضض التعريف الجديد الذي يفرضه عليهم المجتمع البريطاني لمن سيكونون من اليوم وصاعداً عائلتهم المقربة.
الزوج/ة والأولاد الصغار هم عوائلكم، أما أمهاتكم، آباءكم، أخوتكم، أخواتكم، هم عائلة بعيدة، تستقيم الحياة تماماً بدونهم، ربما يزورونكم وتزورونهم في المناسبات، تحتاجونهم معكم للصور والذكرى في الأعراس وحفلات التخرج و الجنازات، لكنكم تستطيعون العيش تماماً بدونهم بأمان وسعادة. شعرت بأن الجميع قد بدأوا رحلتهم النفسية نحو تقبل هذه المفاهيم الجديدة عليهم، لكن هذا الشاب ببساطة وبوضوح رفض هذا التعريف وهذه الأعراف القانونية/ المجتمعية الجديدة ورفض أن يبدأ رحلة القبول النفسي لها، ولأنه كان متصالحاً مع رفضه هذا فقد وجد ما يبرره عقلياً وتمكن من شرحه وإيصال وجهة نظره للطرف الآخر.
عدم اندماجه هنا نقطة تحسب له وليست عليه، خيراً فعل أنه اعترض ولم يقبل تغيير ما اعتاد عليه بل وسخر من التعريف الجديد المطلوب منه اعتناقه. ستقولون لي ما الفائدة؟ وسأجيب حتى لو كانت الفائدة بأن خمسة أو عشرة أشخاص بريطانيين أصبحوا الآن يرددون جملة” لا أستطيع أن أطلق أمي وأخي” فهذا أفضل من لاشئ، زيادة الوعي الضئيلة أفضل من لا وعي على الاطلاق.
مفهوم العائلة السورية يختلف عن مفهوم العائلة البريطانية ولا يجب أن تتحول العائلات السورية القاطنة في بريطانيا إلى نسخة مشوهة عاطفية من العلاقات العائلية فقط لتتماهى مع من حولها. يجب أن يكون للجميع حرية الاختيار، من أراد أن يتبنى المفاهيم العائلية الجديدة ويخلع عنه عائلته الكبيرة له ذلك، ومن أراد أن يحافظ على المفاهيم العائلية خاصته له أيضاً ذلك.
بالمقابل، فإن أولئك الذين عملوا على التربيط والتنسيق مع المنظمات الحقوقية لإيصال مشروع القرار للبرلمان وللضغط باتجاه تحصيل أكبر عدد من أصوات النواب لصالحه قد مارسوا بوضوح درجة معينة من الاندماج مع المجتمع البريطاني وأعرافه وتقاليده مكنتهم من استخدام أدواته القانونية/ المجتمعية لتحقيق التغيير المنشود، ولولا تحقيق هذه الدرجة من الاندماج اللغوي ابتداءً والفكري والعملي لاحقاً لما تمكنوا من ايصال صوت قضيتهم إلى البرلمان وبالتالي لما كان هناك أمل اليوم لتغيير الواقع غير العادل فيما يتعلق بمعاملات لم الشمل العائلي.
إذاً ان كنا سنعتبر تصويت ال ١٢٩ عضو برلمان لصالح مشروع القرار انتصاراً، فإنه من الواضح أن ما ساهم بتحقيق هذا الانتصار هو اجتماع مستوى معين من عدم الاندماج (عدم قبول التعريف البريطاني للعائلة المباشرة) مع مستوى معين من الاندماج (استخدام أدوات المناصرة وحشد التأييد البريطانية) ضمن اطار قضية واحدة.
وإذا كنا ولا بد نرغب بطرح سؤال: هل يجب على الوافدين الجدد الاندماج في مجتمعاتهم الجديدة؟ فإن الجواب حتماً لا يمكن أن يكون بنظام متعدد الخيارات ضمن ثنائية (نعم/ لا)، واذا كنا سنطرح هذا السؤال فإننا يجب أن نطرحه كسؤال بنهاية مفتوحة (Open ended question) على جميع المعنيين وليس فقط على من يمتلكون أهلية أكاديمية أو ثقافية أو سياسية معينة، والأهم من ذلك أن نعرف أنه مازال أمامنا الكثير الكثير من البحث وسنوات من الاستماع العادل والتحليل الحيادي للاجابات، جميع الإجابات المفتوحة، قبل أن نتوصل لنتيجة حول معضلة “الاندماج”.
* رابط تدوينة منظمة العفو الدولية حول تمرير مشروع قرار لم الشمل في البرلمان البريطاني
https://www.amnesty.org.uk/blogs/campaigns/you-did-it-129-mps-voted-refugee-family-reunion-bill
نعم الاندماج قضية شائكة ومعقدة على الناس المغتربين في
الاحوال الطبيعية فما بالنا في حالة المهجرين
واللاجئين …..وجهة نظر تانية …الاندماج مسالة فردية ويعتمد على عدة عوامل ذاتية شخصية و/او محيطة فينا مثال القدرة على التكيف …القدرة على الانجاز …القدرة على ايجاد بدائل مؤقتة او دائمة لتحقيق شيء من السكينة او الهدوء النفسي اذا صح التعبير ….
هذه القوانين العلمانية بشكل عام لو نظرت لاي من الدول العربية التي تتبع دستور علماني وضعي لوجدت نفس القانون موجود لكن كوننا مسلمين ولديننا الاثر الاكبر في حياتنا فمفهموم العائلة قدسية كبيرة فيه فهو يامرنا بتعزيز الروابط الاخوية والابوية وتقديسها بل يامرنا بمآخات كل من هو مسلم والإيثار على بعضنا البعض وهنا يكمن الفرق بيننا وبينهم